هلين تلك المرأة التي لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم، ذات إعاقات متعددة هذه الإنسانة التي سلبتها القدرة الإلهية لحكمة لا ندركها ثلاثا من حواسها استطاعت أن تعيش حياة عريضة وضعت خلالها ثمانية عشر كتاب كل منها يهز الوجدان ويملأ القلب بالإيمان ويجعل الحياة جديرة بأن تعاش.
ومن أعظم ما ألفت كتابها الذي جعلت عنوانة ( يجب أن نؤمن بالله) والذي تؤكد فيه عمق إيمانها بالله تعالى وبرحمته وحكمته كان سلاحها القوي الماضي الذي خرج بها من سجن البدن إلى رحابة الإيمان لربها الذي أتاح لروحها أن تحلق في أفاق العلم والحكمة والخير والرضا والتوافق الحقيقي العميق.
وقد قدمت هيلين العديد من الإنجازات العبقرية التي حققتها في حياتها الخصبة الثرية فهي أولا حصلت على ثلاث درجات دكتوراة كما اتقنت خمس لغات اتقانا تام وقامت بتأليف 18 كتاب من شوامخ المؤلفات العالمية كما قامت برحلات متعددة حول العالم سخرتها للدعوة إلى الله وإلى المطالبة بحقوق المعوقين وإلى تقديم العون الإجتماعي لهم لكي يشقوا طريقهم في الحياة كأعضاء منتجين مثمرين وليسو عالة أو متسولين أو ناقمين ساخطين.
فسبحان الله جل شأنه كأنها جاءت في نهاية القرن 19 لتثبت للجميع أن الله يفعل ما يريد وقتما يريد وأن إرادة الله غير مرتبطة بعصر معين .
فتلك هي هيلين تلك الصماء العمياء البكماء التي أستطاعت أن تحقق من الإنجازات العملاقة مالم يحققها أناس طبيعيون يتمتعون بكافة ما حرمت منه هيلين فبإرادتها التي أستمدتها من قوة إيمانها فاقت وتميزت على قريناتها من النساء العاديات ، فهي تقول في بعض كتاباتها ( لقد أدركت لماذا حرمني الله من السمع والبصر والنطق فلو اني كنت كسائر الناس لعشت ومت كأية إمرأة عادية ).
فبفضل صبرها ورضاها أمدها الله بمعين لا ينضب من قوة الإرادة والقدرة على تخطي حاجز الإعاقة .
فهنيئا لمن تتكفلهم الرحمة الإلهية وتنقذهم العناية الربانية كيفما كانو .
هيلين كيلر ( قصة معاناة الصماء البكماء العمياء )
هيلين كيلر معجزة من معجزات الدنيا ، ولدت في 27 / 6 / 1880 في ريف ايفين جرين في ولاية ألاباما ، وكانت طفلة طبيعية ترى وتسمع وتنطق ببعض كلمات كتلك التي تجئ على شفاه الأطفال ، الى أن جاء يوم أصيبت فيه الطفلة الصغيرة بحمى في المخ أفقدتها حاستي السمع والبصر وبالتالي القدرة على الكلام ، وبقيت هيلين الصغيرة صماء بكماء عمياء الى ان بلغت السابعة من عمرها ، وأشار جراهام بل مخترع التلفون على والدها الذي كان صديقا له بأن يترك أمرها لمربية تعتني بها ، وبالفعل أحضر لها والدها مربية من معهد بيركنز للعميان بمدينة بوسطن وكانت تلك المعلمة هي ( آن سوليفان ) ، فقد عرفت حياة الظلام التي يعاني منها العميان بعدما كانت ضريرة في العشرين من عمرها وأبصرت بعد سلسلة من العمليات الجراحية ،فبقيت بجانب تلميذتها ، فكانت هي عينيها وأذنيها ولسانها ال ىتوفيت عام 1936 ، وواجهت هيلين الحياة ولكن مع معاونة أخرى لها .. وقد سألوا آن سوليفان مرة : كيف بدأت هيلين تتعلم ؟ قالت " كانت تقف معي في أحد الايام بجوار مضخة المياه عند باب المنزل الخارجي ، عندما كان أحد المارة يستخرج الماء ويملأ الدلو الذي يحمله ، وأمسكت يد هيلين ووضعتها تحت الماء المتدفق ، وبينما الماء البارد يتساقط فيبلل يدها تهجيت على يديها الاخرى حروف كلمة ماء water ، ونظرت الى عينيها فوجدتهما تلمعان ببريق عجيب ، لقد نفذت الإشارات الجديدة الى أعماقها ، وفجأة انحنت هيلين الصغيرة ولمست الارض بأصابع يدها وعرفت كلمت أرض Earth بنفس الطريقة .. وعندما أقبل المساء كانت قد تعلمت مئة كلمة "
وهكذا راحت الطفلة المعجزة ترتقي سلم العلم درجة من بعد درجة ، وكانت تقرأ بطريقة بريل وتكتب على الآلة الكاتبة التي صممت خصيصا للذين فقدوا نعمة البصر ، وبهذه الآلة كتبت رسالتها وحصلت على الدكتوراة في القانون من جامعة غلاسكو باسكتلندا ، ولكن حياتها بعد التخرج لم تكن سهلة وإنما كانت كفاحاً متواصلا من أجل لقمة العيش ، فقامت بعدة رحلات الى مختلف أنحاء العالم زارت خلالها المعاهد والمؤسسات التي شيدت لأمثالها من الأطفال الذين حرموا نعمة السمع والبصر ، وكانت تحدثهم بلسان معلمتها وسكرتيرتها وتحكي لهم جانباً من تجاربها الخاصة في الحياة ، وقد تفرغت في أخريات حياتها للتأليف فوضعت عدداً كبيراً من الكتب والمؤلفات كما ظهرت في فيلم يحكي قصة حياتها .. ومن أشهر مؤلفاتها : ( قصة حياتي ) و ( العالم الذي أعيش فيه ) و ( أغنية الجدار الحجري ) و ( الخروج من الظلام ) و ( إيماني ) و ( تفاؤل ) و ( الحب والسلام )
واستقبلها دوايت ايزنهاور ليهنئها على اختيارها واحدة من أهم 25 شخصية من معاصريها في الولايات المتحدة عام 1952 .
سألوها يوماً : إذا أبصرت ما هو أول شئ تريدين رؤيته ؟ فقالت : أن أرى الناس الذين ساعدوني وشجعوني برحمتهم وصداقتهم