القصيدة التى قتلت صاحبها

هذه القصيدة أنشدها الشاعر السوري (حسن الخيّر) لما استشرى الفساد الأخلاقي والمالي والسياسي في عهد حافظ الأسد، وقد كلفته هذه القصيدة حياته بعد أن قطع الأمن السوري لسانَه عقابًا له، وكان ذلك عام 1979

القصيدة:

مَاذَا أقُولُ وَقَوْلُ الحَقِّ يَعْقُبُهُ * جَلْدُ السِّيَاطِ وَسِجْنٌ مُظْلِمٌ رَطِبُ؟

وَإنْ كَذَبْتُ فَإنّ الكِذْبَ يَسْحَقُنِي * مَعَاذَ رَبِّيَ أنْ يُعْزَى لِيَ الكَذِبُ

وَإنْ سَكَتُّ فَإنّ الصّمْتَ مَنْقَصَةٌ * إنْ كَانَ بالصّمْتِ نُورُ الحَقّ يَحْتَجبُ

لَكِنّنِي وَمَصِيرُ الشّعْب يَدْفَعُنِي * سَأنْطِقُ الحَقّ إنْ شَاؤُوا وَإنْ غَضِبُوا

عِصَابَتَانِ هُمَا: إحْدَاهُمَا حَكَمَتْ * باسْمِ العُرُوبَةِ لا بَعْثٌ وَلا عَرَبُ

وَآخَرُونَ لِبَاسَ الدّينِ قَدْ لَبسُوا * وَالدّينُ حَرّمَ مَا قَالُوا وَمَا ارْتَكَبُوا

عَصَابَتَانِ أيَا شَعْبي فَكُنْ حَذِرًا * جَمِيعُهُمْ مِنْ مَعِينِ السّوءِ قَدْ شَرِبُوا
***
أيَقْبَلُ [البَعْثُ] أنْ تُثْرَى زَعَانِفُهُ * باسْمِ النّضَالِ ثَرَاءً مَا لَهُ سَبَبُ؟!

مِنْ أيْنَ جَاؤُوا بهِ حَقّا وَجُلّهُمُ * مَا زَانَهُمْ أبَدًا عِلْمٌ وَلا أدَبُ؟!

ولا تَشَقّقَ كَفّ فَوْقَ مِعْوَلِهِ * فِي الحَقْلِ يَوْمًا وَلا أنْضَاهُمُ التّعَبُ!

وَلا تجَلّى عَلَى أيْدِيهِمُ هَدَفٌ * وَلا تَحَرّرَتِ الجُولانُ وَالنّقَبُ!!

هَلِ السّمَاءُ بَكَتْ مِنْ فَوْقِهِمْ فَرَحًا * فَرَاحَ يَهْطِلُ مِنْهَا المَالُ وَالذّهَبُ؟!

لا تَكْذِبُوا، إنّها أمْوَالُ أمّتِنَا * وَمِنْ غِذَاءِ بَنِيهَا كُلّ مَا سَلَبُوا

كَمْ قَدْ سَمِعْنَا بهَيْئَاتٍ تُحَاسِبُهُمْ * لِتَسْتَرِدّ إلَى الجُمْهُورِ مَا نَهَبُوا!

فَمَا رَأيْنَا سِوَى قَوْلٍ بلا عَمَلٍ * كَمْ فِي تَصَرّفِهِمْ مِنْ عَجْبَةٍ عَجَبُ!

عَلا برُتْبَتِهِ لِصّ وَرُتْبَتُهُ * مِنْ سُوئِهِ انْخَفَضَتْ وَلْتَخْجَلِ الرّتَبُ
***
إنّي لأخْجَلُ أنْ أحْصِي مَعَائِبَهُمْ * أنّى ذَهَبْتُ تَجَلّى العَيْبُ وَالعَطَبُ!

قَالُوا: النّقَابَاتُ، قُلْنَا: إنّهَا كَذِبٌ * كَمْ لُعْبَةً بمَصِيرِ الشّعْب قَدْ لَعِبُوا؟!

اخْتَارُوا لِكُلّ قِطَاعٍ لاعِبًا حَذِقــًا * وَنَصّبُوهُ نَقِيبًا بئْسَ مَنْ نَصَبُوا

وَمَجْلِسُ الشّعْب كُلّ الشّعْب يَعْرِفُهُ * وَيَعْرِفُ النّاسُ هَلْ جَاؤُوا أمِ انْتُخِبُوا

قَالُوا: وَجَبْهَتُنَا، قُلْنَا: لَقَدْ صَدَقُوا * يَوْمَ البَيَانِ بمَا قَالُوا وَمَا كَتَبُوا

إذْ قَالَ قَائِلُهُمْ: إنّا سَمَاسِرَةٌ * نَمْشِي كَمَا يَقْتَضِي العَرْضُ وَالطّلَبُ!

لَمْ يَصْدُقُوا بحَدِيثٍ غَيْرِهِ أبَدًا * وَمَا عَدَاهُ لَعَمْرِي كُلّهُ كَذِبُ!

سَيَعْلَمُونَ جَمِيعًا أيَّ مُنْقَلَبٍ * يَوْمَ الحِسَاب وَمَا فِيهِ هُمُ انْقَلَبُوا
***
قَالُوا حَمَاةُ عَمَاهَا الحِقْدُ فَاضْطَرَبَتْ * يَالَلْعَجَبْ أعَرِينُ البَعْثِ يَضْطَرِبُ؟!

لَوْ يَذْكُرُونَ حَمَاةَ الأمْسِ مَا فَعَلَتْ * بالظّالِمِينَ وَبالإقْطَاعِ لانْتَحَبُوا

كَانَتْ وَكَانَ بَنُوهَا خَيْرَ مَنْ رَفَعُوا * لِلْبَعْثِ رَايَاتِهِ خَفّاقَةً تَجبُ

لَمّا رَأوْكُمْ نَكَبْتُمْ عَنْ مَبَادِئِكُمْ * فَإنّهُمْ شَرَفًا عَنْ حُبّكُمْ نَكَبُوا

ألَمْ تَكَنْ حَلَبُ الشّهْبَاءُ سَاحَتَهُمْ؟ * ألَمْ تُزَكّي كِيَانَ الفَرْدِ يَا حَلَبُ؟

ألَمْ تَثُورِي بوَجْهِ (الإنْفِصَالِ) وَهَلْ * أغْضَى عَلَى عَارِهِ أبْنَاؤُكِ النّجُبُ؟!!

وَاللاذِقِيّةُ مَهْدُ البَعْثِ مَا فَعَلَتْ؟! * حَتّى أثِيرَ عَلَى سَاحَاتِهَا الشّغْبُ!

مَبَاحِثُ السّوءِ شَاؤُوا أنْ تَشِبّ بهَا * نَارُ الخِلافِ وَقَدْ أغْرَاهُمُ اللّهَبُ

قَالَتْ لَهُمْ وَجرَاحُ الحُزْنِ تُؤْلِمُهَا * لا تَحْلُمُوا بخِلافٍ كُلّنَا عَرَبُ

آلَ الفَقِيدِ عَزَاءٌ أنّ مِحْنَتَكُمْ * مِنْ مِحْنَةِ الشّعْب لا تُجْدِي بهَا الخُطَبُ

لَئِنْ نُكِبْتُمْ بحُرّ صَادِقٍ فَطِنٍ * فَحَسْبُكُمْ أنّ كُلّ النّاسِ قَدْ نُكِبُوا

يُرْضِي فَقِيدَكُمُ دَرْبًا يُوَحِّدُنَا * وَلَيْسَ يَرْضَى إذَا تَاهَتْ بنَا شُعُبُ

سَيَسْقُطُ الغَيْثُ فِي أرْضِي وَقَدْ ظَمِئَتْ * وَيَنْجَلِي الليْلُ وَالأشْبَاحُ وَالسّحُبُ

يَبْقَى مَدَى الدّهْرِ صَوْتٌ لا بَدِيلَ لَهُ * اللهُ أكْبَرُ إنّا كُلّنَا عَرَبُ


حسن الخيّر – سورية 1979